النمو والتنمية الاقتصادية
الدكتور عادل عامر
أن النمو والتنمية الاقتصادية ضروريان لتحقيق نمو اقتصادي شامل واستمرار نمو الدخل الفردي وتقليل معدلات البطالة والفقر وتقليل الأعباء على الحكومة من الإنفاق المرتبط بالدعم، وتمكين الحكومة من تمويل متغيرات الأمن الأخرى (الاجتماعي، السيبراني، العسكري…)، أن ضعف قدرات الدولة اقتصادياً يشكل تهديداً وجودياً لها مهما كانت قدراتها العسكرية والسياسية.
أن الأمن الاقتصادي يُقاس في منظور منظمة العمل الدولي على أساس 7 أشكال من الأمن المرتبط بالعمل، بما في ذلك الدخل وأسواق العمل والتوظيف والمهارات والعمل والوظائف والتمثيل
خطورة النمو الاقتصادي غير الشامل، إذ إنه متحيّز لفئة في المجتمع على حساب آخرين، ما يهدد الأمن الوطني ويؤدي لانخفاض الدخول للفئات المتضررة وتعاظم الثروات للفئات المستفيدة من النمو، ويوسع فجوة الدخول بين فئات المجتمع.
بصورة أوضح، فإن الأمن الاقتصادي مرتبط بتوفير السلام الاجتماعي، على الصعيد الداخلي، من خلال تحقيق التناغم بين مكونات المجتمع، وهذا شرط أساسي، حيث إن تحقيق التمازج الثقافي والاجتماعي، سواء عن طريق قبول التعدد الثقافي، أو عدم السماح لهيمنة فئة طائفية على أخرى، سيقود حتماً إلى الأمن الاقتصادي، ولدينا أمثلة كثيرة منها ما يحدث في لبنان من غياب للسلام الاجتماعي بسبب هيمنة «حزب الله» على القرار السياسي والاجتماعي والذي أدى إلى تدهور الأمن الاقتصادي اللبناني، وهو الأمر نفسه في اليمن، بمحاولة نسخ «الحوثية» لتجربة حزب الله والسيطرة على العاصمة صنعاء وشن حرب شعواء على المكونات الاجتماعية في جنوب وشمال اليمن، والذي أدى بالإضافة إلى الخسائر البشرية، إلى ضياع السلم الاجتماعي وتدهور الاقتصاد.
كما أن توفير السلام الاجتماعي يؤدي إلى الأمن الاقتصادي، كذلك فحسب تقارير منظمة العمل الدولية، فإن أثر الأمن الاقتصادي كبير في تدعيم السلام الاجتماعي وتعزيز السعادة والرفاه الشخصي وكذلك تعزيز التنمية المستدامة، حيث يرى التقرير أن الإنفاق الحكومي على الضمان الاجتماعي يؤثر إيجابياً في التنمية المستدامة ويدعم الاستقرار الاجتماعي ويرفع معدلات الرضى عن الحياة والسعادة، حيث إن العامل الأكثر أهمية لا يرتبط بمستوى الدخل، بل بمدى وجود دخول آمنة تقاس بحماية الدخل والدرجات المتدنية للتفاوت في الدخول، كذلك مرتبط بمدى رفع مستوى المهارات التي تُقاس بمؤشرات التعليم والتدريب والتي توفر درجة عالية من الأمن الاقتصادي.
تلعب التداعيات والمتغيرات دوراً كبيراً في الأمن الاقتصادي، فمنذ العام 2008، حين ظهرت الأزمة المالية العالمية، وكذلك خلال العامين الأخيرين، حين ظهر فيروس كورونا، فإن الأمن الاقتصادي، لدول العالم أجمع، قد تأثر وتضرر بصورة شديدة، وقليلة هي الدول، التي استطاعت النجاة، مرتين متتاليتين، حيث لا يمكن التكهن بتلك التداعيات والمتغيرات الطارئة. وليس هناك خطط معدّة سلفا لمواجهتها، ومثال ذلك أيضاً، ما حدث في دول عربية اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي، فنجا بعضها، مثل مصر وتونس، وما زال بعضها كسوريا وليبيا واليمن يرزح تحت وطأة تدهور الأمن الاقتصادي، وغياب السلام الاجتماعي.
كانت دولة الإمارات، من أولى الدول التي وقفت على قدميها، بهمة عالية، بعد الأزمة المالية العالمية، وكانت ساحة للأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي، يُشار إليها بالبنان، طوال عشر سنوات من الربيع العربي حولها، أما في أزمة كورونا، فقد تمكنت بفضل رؤية القيادة الحكيمة، أن تكون أول دول العالم بالتعافي وعودة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى أفضل من سابق عهدها، حيث لا ينسى أحد، يوم قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كلمة واحدة، بثقة ليس لها حدود، أعادت الأمن إن أي دولة مهما كانت قوتها العسكرية
لا يمكنها أن تحيا وسط أمواج الغلاء الفاحش تلك والسقطات الاقتصادية التي انتشرت مؤخرا، إلا إذا كان هنالك صمام أمان يضمن للشعوب رخائها واستقرارها واستمرارية إنتاجها في الأسواق لتحقيق كفايات الشعب من مختلف السلع والخدمات والمنتجات المادية والعينية، وهو ما يهتم به مجال الأمن الاقتصادي ويسعى إليه.
مفهوم الأمن الاقتصادي
وضع خبراء الاقتصاد عدة مفاهيم وتعريفات لمصطلح الأمن الاقتصادي، إلا أن جميع تلك التعريفات تدور حول القدرة على حماية وتأمين المصالح الاقتصادية للدولة، وتوفير سبل التقدم والرفاهية للمواطن، بالإضافة لقدرته على امتلاك الوسائل المادية التي تمكنه من أن يحيا حياة مستقرة هو وأفراد أسرته.
وهذا التعريف وإن كان يمكن فهمه بشكل عام بأنه يعني فقط قدرة المواطن على شراء منتجات حباتية أساسية، إلا أنه كذلك يشير لضمان إمكانية المواطن اقتصاديا على شراء خدمات كالعلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة، وشراء مقعد لابنه يتعلم فيه، وشراء خدمات ومرافق معيشية مختلفة.
عناصر الأمن الاقتصادي
ينقسم مجال الأمن الاقتصادي لثلاثة محاور رئيسية يهتم بنموها وتطويرها وضمان وجودها بشكل دائم داخل المجتمع، وتلك العناصر هي :
1- الأمن الغذائي والمائي: وبالطبع تعني ضمان توافر المياه الصالحة للشرب وهي أساس الحياة على كوكب الأرض، وكذلك هي أهم ما بالمنظومة الغذائية؛ حيث أن بدونها لن تنمو المحاصيل بالكم والكيف المطلوبين، ولن ترعى الأغنام والمواشي والحيوانات التي يطعمها الإنسان ولا الطيور، كما أنه لن تتوافر القدرة على التصنيع الغذائي وإنتاج السلع الضرورية لحياة الإنسان.
ومن المؤسسات والهيئات التي تشترك في النهوض بذاك العنصر والعمل على توفيره، نجد هنالك وزارات الزراعة والري والموارد المائية والتجارة والصناعة والتموين وغيرها من الوزارات التي تختلف مسمياتها من دولة لأخرى.
2 توفير فرص العمل: لا شك أن الحصول على فرصة عمل يعد أحد أهم مساعي واحتياجات الشباب ومتطلباتهم، وغيرهم ممن هم في مراحل عمرية مختلفة؛ إذ أن الوظيفة هي صمام أمان اقتصادي لحياة الأسرة والإنفاق على متطلباتها وإشباع حاجاتها الأساسية والثانوية.
وفرص العمل تساهم كذلك في تحويل مسار حيوات الأفراد من الفقر والجوع والخوف، إلى الغنى والرخاء والاكتفاء والطمأنينة والأمل في ظل حالة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
ومن الوزارات والهيئات التي يتم تكليفها بمتابعة ذلك، نجد وزارات العمل والتي تسمى بعدة مسميات أخرى في دول مختلفة كالقوى العاملة وغيرها، ويشاركها في ذلك الاتحادات والهيئات العامة للاستثمار والتصنيع، وغيرها من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية التي تنظم مؤتمرات توظيف وحملات تأهيل على العمل وبروتوكولات تعاون مع شركات ومؤسسات عملاقة لضم شباب وفتيات لفريق العمل وبالتالي المساعدة عل التخلص من حدة أزمة البطالة وضمان دخل مادي مناسب للجميع.
3- استغلال ثروات الموارد الطبيعية: وهو عنصر هام للغاية لأنه سبب لغيره من العناصر الخاصة بالأمن الاقتصادي، إذ أن العنصر المائي والغذائي لا يمكن أن يتم توفيره وضمان الاكتفاء منه دون اهتمام الدولة بعنصر استغلال ثروات الطبيعة والحفاظ عليها.
كما أن العنصر الخاص بتوفير فرص عمل نجد أنه يعتمد كثيرا على الموارد الطبيعية في كثير من الوظائف، كتلك التي تتعلق باستخراج البترول والغاز الطبيعي والمعادن، أو حتى مهن الزراعة وفلاحة الأرض.
واستغلال الثروات الطبيعية في مجتمعاتنا الإدارية نجد أن العديد من الوزارات تحمل على عاتقها تلك المسؤولية، كوزارة البترول على سبيل المثال أو كما تسمى بوزارة الطاقة في كثير من الدول، كذلك نجد وزارات التعدين والسياحة والزراعة وغيرها العديد من الهيئات العامة التي يتطلب نشاطها التعامل مع الطبيعة والاستفادة منها. الاقتصادي إلى أعلى درجاته، يوم قال «لا تشلون هم».